الجاهات الحورانية لا غنى عنها في حوران

على الرغم من مضي عدة قرون على ظهورها، لا يزال "للجاهات" دوراً هاماً داخل المجتمع "الحوراني"، عندما يتعلق الأمر بإصلاح ذات البين، بين الأطراف المتخاصمة والمتنازعة، وخاصة القضايا العالقة منها، ولا يزال "للوجهاء" مرجعية اجتماعية تأخذ بعين الاعتبار تعقد الأمور واستعصاء الحلول.

"يونس الشلبي" باحث في القضايا الاجتماعية: «جاءت "الجاهات" من "وجاهات"، ومفردها الوجه البشري، أي الشخص الذي يمتلك مكانة اجتماعية مرموقة، ويمنحه الناس الثقة بكل ما يقوم به من أعمال خيرية في مجتمعه، ومن مهامه أصلاح ذات البين والتوفيق بين وجهات النظر المتباينة، أو الحصول على مطلب معين كالخطبة والزواج وغيرها.

وتلقى "الجاهه" القبول لدى جميع الأطراف المعنية، وحالياً يدخل في الجاهه شخصيات رسمية لتسهيل التوصل لحلول تتوافق مع القوانين المعمول بها، وتنشط الجاهات في المجالات المختلفة كحالات الزواج مثلاً، حيث يقوم أهل العريس بأختيار "الجاهة" التي تلقى القبول لدى أهل العروس، لتسهيل عملية الخطبة، وما يترتب عليها من التزامات كتحديد المهر وغيره، أما في حالة أصلاح ذات البين فتتدخل الجاهات في حل النزاعات العشائرية أو الشخصية وغيرها من القضايا».

السيد "نضال شرف" من مدينة "نوى" فقد قال: «"الوجاهة" مكانة اجتماعية سامية، يترتب عليها أدواراً وواجبات ومهام إنسانية يقوم بها أصحابها على أكمل وجه، ظهرت منذ القرون عدة، نتيجة لغياب القانون وتقصير السلطات في هذا الخصوص، وجاءت لحل الخلافات والقضايا الاجتماعية، ويتمتع أصحابها بمكانة اجتماعية كبيرة، نتيجة لما يبذلونه من جهود للتوفيق بين الأطراف المتخاصمة».

وأضاف السيد "نضال" بالقول: «تنقسم "الوجاهة" إلى قسمين: الأول "المشيخة" ومفردها "شيخ"، وتقال للعشائر البدوية، كأن يقال "شيخ العشيرة" كعشيرة "ولد علي" وشيخهم "ابن سمير"، وعشيرة" السلوط" وشيخهم "طلال بن سليمان".

والقسم الثاني "الوجهاء"، وتعني المكانة الاجتماعية العليا، ومن مهامها، تمثيل الجماعة أو القرية التي يتنمي إليها "الوجية" في المناسبات كالأفراح والأتراح،

السيد "يونس الشلبي"
وحل الخلافات الاجتماعية على مستوى القرية والعشائر والأسرة والأفراد، كحوادث الموت والقتل والإصابات، ويعد "الوجهاء" مرجعية اجتماعية في القضايا والأمور المتعلقة بأوضاعهم العامة والخاصة».

وحول تاريخ "الجاهات الحورانية" ودورها في المجتمع تحدث السيد "حسين صالح الرفاعي" عضو اتحاد الكتاب العرب "بدرعا"، وباحث في قضايا التراث الحوراني لموقع "eDaraa" قائلاً: «بعد أن عجز القضاء في أن يكون عادلاً، وأن يرضي بحكمه جميع الأطراف، ساد القضاء العشائري بكافة مفرداته في منطقة "حوران"، وقد اشتهر من خلال ذلك قضاة عشائريون، وانتقلت هذه المهمة من الأجداد إلى الأحفاد، وبعد الاستقلال عن "فرنسا" تلاشى دور القضاء العشائري بالتوازي مع قناعة الناس بعدالة القضاء الوطني.

إلا أن القضاء العشائري ما زال حتى اليوم يقوم بدور المصالحة، وتشجع السلطات الوطنية لذلك، حيث يقوم أهل الخير بحل ما يقع من خلافات ومشاكل عن طريق "الجاهات"، وهذه القضايا تبدأ من نزاعات بسيطة كالخلاف على حدود أرض، وتنتهي بقضايا كبيرة كجرائم القتل، وعادة ما يكون أشخاص الجاهة من الناس المعروف عنهم حب الخير والعدالة واحترام الناس لهم».

وفيما يخص أنواعها وتفاصيلها ذكر"الرفاعي": «للجاهات عدة أنواع فمنها الكلاسيكية كجاهات خطبة العروس والتي غالباً ما يكون قد تم الاتفاق عليها مسبقاً، ومهمتها حفظ كرامة والد العروس والإشهار وتحديد المهر، وجاهات الخصومة حيث يتطوع شخص أو أكثر من أهل الخير بالتدخل لحل خصومة بين شخصين أو عائلتين، يساعده "وجوه خير" آخرين، يقوموا بالتفاوض مع الأطراف المتخاصمة، وغالباً ما يتوصلوا إلى حل وسط يرضي الطرفين، ثم يتبادل الطرفان المتنازعان الدعوات لتناول الطعام بحضور "الجاهة" وآخرين وأقارب الطرفين.

وعندما تزور "الجاهة" أحد الخصوم يستقبله بترحاب أهل "حوران"، ويضيفهم القهوة المرة كما جرت العادة، فيتناول

السيد "حسين الرفاعي"
الفنجان كبير الجاهة ويضعه أمامه ويخاطب مضيفه (أحنا ألنا طلب ونرجو من الله ثم منك ما تردنا خايبين)، وهنا يتوقف رد المضيف حسب جسامة الخلاف، وغالباً ما يقول لكبير الجاهة (اشرب قهوتك ولي أنت عليه أنت عليه)، فيستبشر وجوه الخير ويرد كبير الجاهة مخاطباً المضيف (الله يحيي أصلك أحنا عارفين قهوة الغانمين ما بتبرد)، فيكون هذا التجاوب بداية فعل خير للدخول بالتفاصيل.

أما إذا كانت المشكلة صعبة ومعقدة وذات أهمية، فغالباً ما يكون هذا الإجراء في آخر جلسات الوساطة، أما في قضايا القتل والشرف فغالباً ما يكلف بعض أشخاص الجاهة، بأن يكونوا كفلاء، والكفلاء نوعين: كفيل "دفا" وكفيل "وفا"، وكفيل "الدفا" هو من يضمن التزام الخصوم المعنوي بالصلح وعدم الإخلال بشروطه، والالتزام بحسن التصرف من الطرفين، وكفيل "الوفا" من يضمن الوفاء بالالتزامات المادية الناتجة عن الصلح». وأضاف "الرفاعي": «يوجد في كل تجمع سكاني مجموعة من الرجال محبي الخير والوجهاء، تكون مهمتهم الدائمة، أما المبادرة في الجاهة بشكل تطوعي، أو أن يقوم أحد الخصوم بتكليفهم بذلك».

وفيما يتعلق بالمقاييس والمعايير الاجتماعية التي تستند عليها "الجاهات" يقول السيد "يوسف أبو رومية السعدي" عضو مجلس الشعب ومن وجهاء "درعا": «لكل قضية حل بحسب الأعراف والعادات المتوارثه، إضافة للقياس على الأمور السابقة، وعلى هذا النحو لكل قضيةٍ حكاية تختلف عن الأخرى من حيث مجرياتها، وهناك حالات مستعصية الحل، سببها الجهل وقصر نظر الأطراف المتنازعة، وفي بعض "الجاهات" يقف صاحب الحق ويتنازل عن حقه، إلا أن الجاهة ترفض هذا التنازل، لأن مال "الدية" من حق القصر».

وفي حديثه عن مجريات" الجاهة" ذكر"السعدي": «بعد تكليف الجاهه بمتابعة أمور الصلح في قضية ما، يتم تداول الحديث

السيد "يوسف أبو رومية"
بين أطراف الخلاف لتقريب وجهات النظر بينهما، ولتأمين مطالب صاحب الحق، ومن ثم يحدد موعد الصلح، ويدعى له رجال الخير ليكونوا شاهدين على عقد راية الصلح، التي يشهد عليها بالقول: "اشهدوا يا أهل الحمية، يا ضيوف ويا محلية، والدية المبنية من "مكة" أجتنا هدية"».

اخبار حصرية لن تجدوها الا في منتدى مدينة طفس

جميع الاراء والمواضيع والمشاركات تعبر عن راي كاتبيها وليس للادارة علاقة بها

منتدى مدينة طفس الاقوى والاميز في عالم الانترنت بمواضيعه واعضائه

الجاهات الحورانية لا غنى عنها في حوران

الجاهات الحورانية لا غنى عنها في حوران